الصفحة الرئيسية  أخبار وطنية

أخبار وطنية هل أصبح «الباك» في تونس «مضروب»؟

نشر في  11 جوان 2014  (11:07)

كلّنا نتذكّر كيف أحرز عماد الطرابلسي على شهادة «الباكالوريا» من وزارة التعليم والحال أنّه غير قادر على كتابة «اسمه على القلة» فقد كان جاهلا بامتياز، لكن ضغوطات القصر أجبرت الوزارة على اسناد هذه الشهادة لشقيق ليلى الطرابلسي.. وكلّنا يتذكّر كيف كانت زوجة الرئيس المخلوع تتلقّى دروسا خاصّة في قصر قرطاج حتى تحصل على إجازة في الحقوق...
وقبل الثورة كانت عمليات الغشّ نادرة لأنّ التلميذ أو التلميذة كان يخشى الطرد والقضاء على مستقبله، ثم أصبح الهاتف الجوال السلاح الجديد الذي سمح بانتشار الغشّ في امتحان الباكالوريا حيث تتسرّب نصوص الامتحانات إلى خارج المعاهد من قبل تلاميذ يغادرون القاعة بعد دقائق من انطلاق الامتحان أو عن طريق تصوير الامتحانات عبر الهاتف وارسالها «للأصدقاء» وانتظار الأجوبة مقابل أموال تتفاوت قيمتها.. كما يجب التذكير بأنّ «أقلية» من الموظّفين السّاهرين على الامتحانات قد يسرّبونها قبل توزيعها لبعض التلاميذ فتقع الكارثة كما حصل ذلك سابقا!
واليوم ورغم أنّه لا يمكن التشكيك تماما في شهادة الباكالوريا التي تمكّن من الالتحاق بالجامعة وبالتالي تفتح عديد الافاق، فانّ تكاثر حالات الغشّ ينذر بأخطار كبيرة ستفضي إلى التشكيك في القيمة العلمية لهذه الشهادة التي قد ترفضها أكبر الجامعات العالميّة.
وللتذكير فإنّ عملية التحيّل كانت إفرازا  لعوامل عدّة، منها الضغط العائلي المبالغ فيه على التلميذ حتى ينجح المترشّح لأنّ أسرته لا تقبل الاخفاق في هذا الامتحان على أساس أنّها مسؤولة عن التلميذ وهو ملك لها.. كما انّ العائلة ترفض اخفاق ابنها في «الباك» لأنّ «ولد الأقارب» أو «ولد الجار» نجح في السنة الفارطة بامتياز أو لأنّها تطمح الى بعث مشروع لابنها أو ابنتها بعد النّجاح في الباكالوريا ثم الامتحانات الجامعيّة.. انّ ضغط العائلة على التلميذ قبل الامتحانات يضطرّه أحيانا الى الغشّ لأنّه يخشى لوم والديه ونظرة المجتمع اليه..
لكن بفضل «دمقرطة» الهاتف الجوال، فقد صارت لعدد من التلاميذ ميولات تدفعهم للغش في الباكالوريا لأنّ العملية سهلة وقد تكون «مربحة».. فأغلب التلاميذ الذين لم يدرسوا بجدّية خلال السنة المدرسية أو أولئك الذين يريدون النّجاح في هذا الامتحان ومستواهم في بعض المواد ضعيف، يلجؤون لتقنيات الهاتف الجوال إمّا بالصوت أو بالصّورة ليحصلوا على الأجوبة الصحيحة وينجحوا بدون تعب حتى أصبحت الجامعة التونسية تستقطب طلبة غير قادرين على كتابة جملة صحيحة باللغتين العربيّة أو الفرنسيّة!
اضافة الى كلّ هذه العوامل، هناك أيضا عقلية جديدة لدي بعض التلاميذ الذين لا يخشون الأساتذة ويهدّدونهم في حالة اكتشافهم لعمليّة غشّ، كما أنّ الوقاية بفضل آلات تمنع استعمال الهاتف الجوال لا تشمل كل المعاهد، ونعتقد أنّه يجب معاقبة التلميذ أو التلميذة على هذه الجريمة العلمية والاجتماعيّة بمنتهى الصّرامة علما انّ من بين الناجحين، أغلبية تستحقّ الشكر والتشجيع لأنّ نجاحها لا تشوبه شائبة.
والجدير بالملاحظة انّ الوزارة الحالية فشلت تماما في التصدّي للغشّ وكان عليها أن تمنع من خلال اجراءات عمليّة أيّ تلميذ من مغادرة قاعة الامتحانات، كما كان يتعيّن ان تمنع الاتصالات الهاتفية داخل مراكز الامتحانات!
فلماذا لم تتحرّك الوزارة وأصداء التسريب تتعالى في سيدي بوزيد والدندان وغيرهما من المدن؟

تقنيات الغشّ

1) استعمال بطاقة هوية مزوّرة وإيفاد طالب عوضا عن التلميذ المترشّح لتمثيله في مادة صعبة أو في كلّ الامتحانات.. لكن انطلاقا بطاقة التعريف الجديدة لم يعد من السهل تزويرها علما أنّ تزوير بطاقة التعريف الوطنيّة جريمة خطيرة يعاقب عليها القانون بكلّ صرامة.
2) كتابة بعض المقاطع من احدى المواد الصعبة على اليد أو استعمال أوراق صغيرة.
3) ترشيح تلميذ «حرّ» ليست له ايّة امكانية في النّجاح ومطالبته بمغادرة قاعة الامتحان ومعه مطبوعة الامتحان عندما يسمح له الأستاذ المراقب بمغادرة القاعة نهائيا.. حينئذ يسلّم «التلميذ» أوراق لامتحان المختصّين  يتولّون الإجابة عن الأسئلة قبل أن يرسلوها عبر الهاتف  أو عن طريق الصّور...
4) تستعمل التلميذة تحت حجابها آلة جهاز استماع l ecouteur دون أن يتفطّن اليها أحد.
5) يصوّر التلميذ الفرض بهاتفه ويرسله الى الأصدقاء الذين يقدّمون له الإجابة عبر صورة هاتفية أو «بالميكرو».
6) يضع تلميذ في المرحاض وفي سرّية تامّة هاتفا صغيرا ثم يستأذن يوم الامتحان الأساتذة المراقبين للذّهاب لقضاء حاجة بشرية وهناك يستعمل الهاتف.

من جندوبة الى سيدي بوزيد مرورا بالدندان وقليبية غشّ عابر للمدن

في الباكالوريا التونسية يأخذ الجدل حول الظروف التي يجرى فيها امتحان الباكالوريا بتونس حيزا كبيرا من الاهتمام وسط تشديد الاحتياطات التي تلجأ اليها وزارة التربية بالتنسيق مع وزارتي الدفاع والداخلية من أجل تأمين مراكز الاختبار وحسن سير الامتحانات.
وسجلت نقابة التعليم الثانوي اعتداءات على الأساتذة في مدن الروحية وجندوبة والكاف وبن عروس من قبل تلاميذ يصرون على الغش.
وتحدثت تقارير عن حدوث فوضى في عدد من مراكز الاختبار بسبب انتشار الغش عبر الهواتف الجوالة وتقنيات اخرى تم استحداثها للغرض..
وتقول مصادر رسمية من داخل وزارة التربية أن عدد حالات الغش التي تم تسجيلها في دورة باكالوريا 2013 مثلا بلغت 747 حالة نصفها تمت بوسائل الكترونية حديثة اهمها الهواتف الذكية والبلوتوث.
وتشدد الجهات الرقابية في تونس من إجراءات وقيود داخل مراكز الاختبار، اذ ان مجرد حمل جهاز الهاتف الجوال خلال سير الامتحانات بغض النظر عن كونه فى حالة استعمال من عدمه يعتبر محاولة غش.
وأعلنت نقابة التعليم الثانوي التابعة للاتحاد العام التونسي للشغل إنها ستوقف عملية تصحيح أوراق الامتحانات بكامل مراكز التصحيح بالبلاد طيلة نصف يوم ، احتجاجا على الاعتداءات المتكررة للتلاميذ ضد الأساتذة المراقبين خلال الاختبارات الوطنية للسنة النهائية للمرحلة الثانوية (الباكالوريا).
 عصابة على الخط
وأوضحت أن إضراب الأساتذة يأتي احتجاجا على «استفحال الغش دون أن تتخذ الوزارة الإجراءات العملية لمنعها والتصدي لها حماية لمصداقية الامتحان وتكافؤ الفرص بين التلاميذ». وللاشارة فقد تسربت معلومات عن محاولات غش عديدة في مختلف أرجاء الجمهورية تم خلالها ضبط تسريب فحوى امتحانات عديدة من الدورة الرئيسية لامتحان الباكالوريا انطلاقا من جندوبة وصولا الى الدندان حيث تمت الاطاحة بعصابة كاملة مختصة في الغش مرورا بحالات منفردة تباعا في قليبية وقفصة وسيدي بوزيد..مما يوحي بتفاقم غير مسبوق لظاهرة «الغش» في امتحان رسمي بثقل وأهمية «الباكالوريا» وسط ردود أفعال وبيانات محتشمة من وزارة التربية كهيكل راع ومشرف على الاختبار ومختلف جزئياته.
انتحال صفة
في نفس السياق وفي نفس الولاية وتحديدا بمعتمدية الرقاب علمت أخبار الجمهورية أنّ أحد الغرباء انتحل صفة تلميذ صديقه بمعهد بالرقاب وقد أفادنا مصدر مطلع أن الأستاذة تفطنت لاختلاف ملامح الشخص الموجد بالقاعة مع الملامح الموجودة ببطاقة تعريفه الوطنية التي ادعى انه صاحبها فقامت الاستاذة باعلام مدير الإمتحان بهذا الأمر لكنها فوجئت بردة فعل هذا الأخير حيث طلب منها مواصلة عملها دون اتخاذ اي اجراء وكأنها لم تر شيئا .